في الآونة الأخيرة، حقق تطبيق Neon صعوداً مفاجئاً ليحتل المركز الثاني في قائمة التطبيقات الاجتماعية على متجر آبل في الولايات المتحدة. هذا الإنجاز اللافت يأتي من تطبيق لا يقدم شبكة تواصل تقليدية، بل يعتمد على نموذج عمل غير مألوف: دفع المال للمستخدمين مقابل تسجيل مكالماتهم الهاتفية وبيع هذه التسجيلات لشركات الذكاء الاصطناعي.
كيف يعمل التطبيق؟
يقدم Neon حافزاً مالياً مباشراً لمستخدميه. عند إجراء مكالمات هاتفية عبر التطبيق، يحصل المستخدم على مقابل يصل إلى 0.30 دولار للدقيقة إذا كانت المكالمة مع مستخدم آخر مسجل في Neon، بينما تحصل المكالمات مع أطراف غير مسجلين على معدل أقل يبلغ حوالي 0.15 دولار للدقيقة. يضع التطبيق سقفاً يومياً للمكاسب قدره 30 دولاراً. بالإضافة إلى ذلك، يقدم Neon مكافآت إضافية عند التسجيل الأولي أو عند دعوة أصدقاء جدد للانضمام إلى المنصة.
تبدو الفكرة جذابة ظاهرياً: تحدث مع من تريد بشكل طبيعي، واحصل على دخل إضافي مقابل وقتك على الهاتف. لكن خلف هذه البساطة، تكمن تعقيدات كبيرة تتعلق بالخصوصية، والقانون، ومستقبل البيانات الشخصية.
أسباب النجاح وعوامل الجذب
- التحفيز المالي المباشر: يمثل الوعد بكسب المال السهل والمباشر عامل جذب قويًا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي قد تدفع البعض للبحث عن مصادر دخل إضافية.
- الفكرة الجديدة والمثيرة للفضول: لطالما كانت البيانات الشخصية موضوعًا مثيرًا للاهتمام، وفكرة بيع المكالمات مقابل المال تجذب الانتباه وتثير الفضول لدى شريحة واسعة من المستخدمين.
- الوصول إلى البيانات كسلعة: يواكب التطبيق الاتجاه المتزايد نحو تحويل البيانات الشخصية إلى سلعة قابلة للبيع، خاصة في ظل ازدهار الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد بشكل كبير على كميات هائلة من البيانات.
- سهولة الاستخدام: لا يتطلب التطبيق من المستخدمين أي خبرة تقنية، بل مجرد إجراء مكالماتهم الهاتفية بشكل طبيعي، مما يقلل من حاجز الدخول.
- الانتشار السريع عبر قائمة الأعلى تنزيلاً: وصول التطبيق للمراتب العليا في متاجر التطبيقات يعزز من ظهوره وشعبيته، مما يخلق حلقة تسويقية تعتمد على "الدليل الاجتماعي".
لمن تذهب هذه التسجيلات؟
وفقاً لشروط خدمة تطبيق Neon، يمنح المستخدمون التطبيق حقاً عالمياً، حصرياً، غير قابل للإلغاء، وقابلاً للنقل، ومعفى من الرسوم، ومدفوعاً بالكامل (مع الحق في منح تراخيص فرعية) لاستخدام، بيع، توزيع، استضافة، تخزين، نقل، وعرض علني للتسجيلات الصوتية، وحتى إنشاء أعمال مشتقة منها. هذه الحقوق تمتد بشكل مطلق ودائم، حتى بعد حذف المستخدم للتطبيق نفسه.
يُقال إن هذه التسجيلات تُستخدم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الصوتية. هذا يعني أن أصوات المستخدمين قد تتحول إلى بيانات خام لتطوير تقنيات مثل المساعدات الصوتية، وأنظمة التعرف على الكلام، وغيرها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
يدعي التطبيق أنه يسجل صوت الطرف المستخدم فقط، وليس الطرف الآخر، ما لم يكن كلاهما يستخدم التطبيق. ومع ذلك، يحذر خبراء قانونيون من أن هذا الادعاء غير واضح تماماً، وقد يتعارض مع قوانين "الموافقة الثنائية" (two-party consent) المعمول بها في عدة ولايات أمريكية، والتي تتطلب موافقة جميع أطراف المكالمة لتسجيلها.
الجانب المظلم: ماذا عن المخاطر؟
تحمل التسجيلات الصوتية مخاطر تتجاوز مجرد انتهاك الخصوصية. فالبصمة الصوتية للفرد يمكن أن تُستغل لاحقاً في عمليات انتحال هوية، أو في إنشاء أصوات مزيفة باستخدام تقنيات التزييف العميق (deepfake). كما أن إمكانية إعادة ربط الصوت بشخصه الأصلي (re-identification) تظل قائمة، حتى بعد إزالة الأسماء والأرقام، خاصة إذا تم بيع البيانات لجهات متعددة.
خلل أمني يوقف تطبيق Neon
لم يكد الجدل حول طبيعة عمل التطبيق يهدأ حتى واجه أزمة كبيرة. كشفت منصة TechCrunch عن ثغرة أمنية خطيرة مكّنت أي مستخدم من الوصول إلى أرقام هواتف وتسجيلات مكالمات ونصوص محادثات مستخدمين آخرين. بعد إبلاغ مؤسس التطبيق، أليكس كيّام، أوقف خوادم Neon وأعلن عن تعليق الخدمة، لكن دون أن يُطلع المستخدمين بشكل صريح وكامل على تفاصيل الخلل الأمني.
أظهر تحقيق تقني أن الخوادم لم تكن تفرض أي قيود كافية لحماية البيانات، ما جعل الروابط الخاصة بملفات الصوت والنصوص متاحة لأي شخص يعرف هذه الروابط.
لماذا كل هذا الجدل؟
يكشف الجدل حول تطبيق Neon عن ظاهرة أكبر: كيف تتحول بياناتنا اليومية، ومحادثاتنا الهاتفية التي كنا نعتبرها شخصية وخاصة، إلى سلعة جديدة في سوق الذكاء الاصطناعي. تبحث شركات التقنية العملاقة بشراهة عن بيانات صوتية لتدريب نماذجها، وتطبيقات مثل Neon تفتح قناة مباشرة لهذا التدفق الهائل من البيانات، مع إغراء المستخدمين بمكاسب مالية سريعة.
مستقبل محفوف بالأسئلة
يواجه تطبيق Neon مستقبلاً محفوفاً بالأسئلة. هل سيصمد في مواجهة التدقيق القانوني والتنظيمي المتوقع؟ هل ستعتبره الهيئات القضائية مخالفاً لقوانين الخصوصية؟ والأهم من ذلك: هل سيقبل المستخدمون بأن يتحول صوتهم، وهو أحد أكثر السمات الشخصية حساسية، إلى مادة خام لتجارب الذكاء الاصطناعي، مقابل مكاسب مالية مؤقتة؟ يضع Neon المستخدمين أمام خيار صعب حول قيمة خصوصيتهم في مقابل ربح سريع.

.jpg)
